شاهد عيان
الخوف ثمّ الأمل فالفوضى لأب مثلي متزوّج يحاول مغادرة أفغانستان
لم أستطع أن أخبر أطفالي عن سبب مغادرتي أفغانستان.

أنا رجل مثلي الجنس من بنجشير، أقيم في أفغانستان في زمن طالبان. ما من جملةٍ واحدة تحتوي على بؤسٍ أكثر من هذا.
أكتب هذه الأسطر في خريف كابول وضوء الشمس الذهبي يذكّرني في رجُلي، في حبّ حياتي. لم تكن علاقتنا المثلية بين رجلَين نموذجية، فما زلنا من أفغانستان، وحتّى قبل عودة طالبان إلى السلطة لم نقطن المنطقة الأكثر تحرّرًا في العالم. ولكنّنا شعرنا بما يكفي من الحريّة لنحبّ. لكلّ علاقة عيوبها، لكنّنا لم نعتقد يومًا أنّ لعلاقتنا النّهاية التي ستكون.
عمري ٤٠ سنة وأنا أب لأربعة أولاد. زوجتي إلى جانبي. نعم، أنا رجل أفغاني مثلي الجنس ومجبرٌ على إخفاء ميولي الجنسيّة والكذب على العائلة كما حال المثليّين الآخرين في أفغانستان.
أنا الشاب الوحيد في العائلة، فأُجبرت على الزواج في عمر ١٦ سنة. بكيتُ وندمتُ أيّام وليالي كثيرة. لم يعرف أحد عن ألمي. ولكن أعتبر نفسي محظوظًا إذ عشت شبابي خلال العشرين عام من الوجود الدولي في أفغانستان.
أتذكّر اليوم هذه السنوات فتبدو حلمًا. لي أولاد وزوجة وإنترنت وحتّى ملتقى لمجتمع الميم الأفغاني بفضل وجود العاملين في مجال الإغاثة الدّوليّة. كنّا مرعوبين، ولكن متفائلين.
تأثّر الإعلام الأفغاني وبعض الرسميين في التطورات حول موضوع كرامة المثليين وحقوقهم في العالم، فنظروا إلى مجتمع الميم وبدأوا اعتماد نهجًا سليمًا في مقاربتنا. وهكذا، شعرت في الأمل كلّما قرأت مقالًا في الصحيفة أو شاهدت تقريرًا على التلفزيون لمجتمع الميم في أفغانستان.
التقيت رجل حياتي بعد سنوات من البحث والمواعدة. هو متزوّج أيضًا ويعيش حياةً مزدوجة. نساند بعضنا البعض. التقَت عائلاتنا وتصادقت، وظنّ الجميع أنّنا أقارب أو أصدقاء حميمَين. خطّطنا لمستقبل أولادنا ولمستقبلنا نحن. شعرنا بالذنب تجاه زوجتَينا وقد أجبرتهما عائلتَيهما على الزواج منّا. ولكن هذا هو الحال في مجتمع أفغانستان الأبويّ.
لم نظنّ يومًا أنّ لطالبان أمل في العودة إلى الحكم. وكنّا نتذكّر التسعينات عندما صفّ طالبان المثليين في زوايا الجدران ليسقطوها على رؤوسهم، فيسحقوهم تحت الحجارة.
سقطنا مجدّدًا في ١٥ أغسطس/آب ٢٠٢١، وعدنا مجدّدًا إلى حكم الشريعة في أفغانستان.
راسلت صديقي في صباح هذا اليوم المشؤوم. التقينا، وقلت له أنّ هذا اللّقاء لربّما هو الأخير لنا. كانت لحظة غريبة. تشابكت يدانا ومشينا في حديقة فارغة. كانت هذه أوّل مرّة نلمس بعضنا في مكان عام، ولكن اعتقدت حينها أنّنا قد لا نحظى في هذه الفرصة من جديد. أردنا أن نظهر حبّنا لبعضنا البعض. كنّا نتأمّل الأفضل ونخطّط للأسوأ. قرّرنا الذهاب إلى منزله في بنجشير إذا دخلت طالبان كابول لنغادر البلاد من هناك.
عمّت الفوضى بعض بضع ساعات. لم نتخيّل أبدًا أن نسقط لطالبان في هذه السرعة. دخل مقاتلو طالبان إلى كابول وانتشرت صوَرهم على وسائل التواصل الإجتماعي. كنت في المكتب، فلملمت أغراضي وذهبت إلى المنزل لأبقى فيه. كنت مرتعبًا، مشلولًا، لا أعرف ماذا أفعل. هل نهرب كما قرّرنا في خطّة الطّوارئ؟ ليس من السهل مغادرة منزلك. راسلت صديقي ثم حذفت جميع مراسلاتنا. أردت أن أعرف خطّته. هل نذهب إلى بنجشير؟ متى نغادر؟
قلقت على أولادي وعلى زوجتي. كانت حياتي في خطر وأنا رجل مثلي في مجتمع الميم الأفغاني.
حلّ الليل ولم يراسلني صديقي بعد. امتنعت عن الاتصال به مجدّدًا إذ خشيت أن تكون الاتصالات تحت مراقبة طالبان. كم هو غريب أنّنا كنّا قبل ساعات قليلة نسير جنبًا إلى جنب في الحديقة المركزية في كابول. فكّرت في التوجه إلى منزله وطرق بابه، لكني لم أجرؤ. اعتقدت أنّني قد أشكّل خطرًا عليه فلطالما كرهت طالبان بنجشير، ومن الممكن استهدافنا بسبب عرقنا وسرّنا.
مرّ يومان تقريبًا ولم يصلنا أيّ خبر عنه وعن عائلته. اعتقدت أنّهم يصارعون الحياة مثلنا.
بدأت الدول في إجلاء الأفغان المستضعفين بعد بضعة أيام، فأرسل لي صديق مثلي من خارج أفغان بعض الروابط على الإنترنت وشجّعني أن أراسل المنظّمات الدولية للمثليّين قبل فوات الأوان. شعرت في الأمل، إذ كنت متأكّدًا أنّه يكفي شرح وضعنا لنذهب جميعنا، عائلته وعائلتي، ونحظى بحياة حرّة. كسرت حاجز الصّمت وراسلت صديقي أبلغه صراحةً الحلّ الذي وجدت.

اتصلت بي إحدى هذه المنظمات بعد ساعات على مراسلتها، وكانت من الجمعيات التي عملت على إنقاذ المثليين في خطر. طلبوا منّي الإجابة على سلسلة من الأسئلة الغريبة ليتحقّقوا من مثليّتي. غريب هذا الأمر إذ كنت قد راسلتهم مسبقًا وفي التفصيل أنني رجل مثلي الجنس، لا بل أعطيتهم أيضًا عناوين بعض الأشخاص خارج أفغانستان ليؤكّدوا على مثليتي. طلبوا مني مشاركة محادثات تطبيق واتسآب مع صديقي، كما طلبوا صورًا لمجموعات للمثليين على موقع فايسبوك الإلكتروني كنت أنتمي إليها. وصل حدّ أحد الناشطين في مجتمع الميم في الولايات المتحدة إلى اتّهامي بالكذب لأنّني متزوّج من امرأة وأب لأطفال. كان الأمر مخيبا للآمال. فكيف يمكنني أن أشرح لهؤلاء الأشخاص ما نمرّ به؟ كيف يمكنني أن أقول أنّه حتى قبل طالبان تعذّر علينا الإحتفاظ بمحتوى قد يشير إلى ميولنا الجنسية؟
كلّ هذا وما من جواب من صديقي. طلبت إحدى المنظمات موافقته ولم أجده.
تلقّيت رسالة نصية في ٢٥ أغسطس/آب تفيد عن جلائي القريب. قيل لي أيضًا أنّ على عائلتي البقاء في كابول وأنّ صديقي غير مؤهّل للجلاء إذ لم يرد علينا.
طلبت منّي المنظمة من كندا أن أذهب إلى البوابة الجنوبية لمطار كابول في أسرع وقت ممكن، وأنّ حافلة ستقلّ مجموعة من المثليين إلى المطار في ٢٦ أغسطس/آب. حصلت على رقم لوحة الحافلة، وطلبوا منّي أن أكون هناك في السابعة صباحًا، وإلّا فلن تسنح لي فرصة أخرى للمغادرة.
هل أذهب؟ هل أتركه وعائلتي؟ هل سأتمكّن من مساعدتهم على المغادرة بعدها؟ أين هو؟ لماذا لا يتحدّث معي؟
وصلت إلى مدخل المطار الرئيسي عند السابعة إلّا خمس دقائق. احتشد آلاف الناس، والجميع في عجلة للوصول إلى المطار. وجدت حافلتي، فكانت مكتظّة بالركاب وما من مكان لي. أغلقوا الباب وغادروا.
تعذّر على أكثر من ٣٠ شخصًا ركوب الحافلة، ومعظمهم من المثليين وعابري النوع الإجتماعي، وحولنا ثلاث أو أربع مثليات. كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها العديد من المثليين في كابول. كنت أعرف واحدًا أو اثنين منهم، لكنّنا لم نتجرّأ على الكلام. كنّا في خائفين، مرعوبين من الكشف عن هوياتنا في أماكن عامة، والطالبان مسلحين أمامنا.
وصلت حافلة أخرى بعد دقائق، فتوجّهنا إلى المطار.
اقتربنا من المطار، وتوقفنا في طابور من أكثر من ٢٠ حافلة كانت تنتظر إذن طالبان لدخول مجمع المطار.
أظنّ أنّ هذه الحافلة أكثر مكان تنوعًا قد رأيته في أفغانستان. أشخاص من مجتمع الميم ومن جميع الخلفيات العرقية: عابر للنوع الإجتماعي من الهزارة ومثلي طاجيكي، ومثلية من كابول تتحدّث مع امرأة من حارات. شعرت ببعض الراحة، لكنني انتبهت بعد فترة وجيزة أنّ الحافلة تلفت انتباه مقاتلي طالبان. شددت قناعي كَي لا يتعرّف أحدهم عليّ. فكّرت في بعض الكلمات في حال قبضت علينا طالبان. كنت أفكر في عائلتي وأولادي. كانت هذه المرة الأولى في حياتي أتخذ فيها هكذا قرار. أردت أن أترك عائلتي وكابول وأفغانستان إلى الأبد. لم أستطع أن أخبر أطفالي عن سبب مغادرتي أفغانستان، ولكنني أخبرتهم أنني سأسهّل مغادرتهم عندما أخرج من البلد. طلبت من زوجتي أن تخبر أصدقاء عائلتنا أنني سأساعدهم على المغادرة.
لا يمكن للكلمات أن تعبّر عن شعوري في ذلك اليوم. كان أطفالي في كابول، وكان عليّ أن أرحل لأعيش. ولكن إلى أين؟ إلى مكان لا يعتبر مثليّتي جريمة، إلى مكان أعيش فيه حرًا من دون خوف.
نظرت إلى صور عائلتي في الحافلة المتوقّفة وأردت للحظة العودة إلى المنزل. ولكن عندما رأيت الطالبان على الطريق وشعرهم الطويل ووجوهم القاسية والبنادق في أيديهم، حلّ الموت عليّ، وتمنّيت أن أطير في أسرع وقت ممكن.
كان اليوم حارًا، لا بل حارقًا داخل الحافلة المزدحمة. انتظرنا لأربعة ساعات إضافية وأمامنا نقطة تفتيش رئيسة للمقاتلين يستجوبون فيها الناس ويدقّقون في وثائقهم. زاد قلقي، فماذا أقول إذا سألنا طالبان من نحن وإلى أيّة منظّمة ننتمي؟
صعد بعض الأشخاص إلى الحافلة وسألونا من النافذة من نكون. وبعد ساعة، قيل لنا أنّ الأميركان أمروا طالبان بعدم السماح لأي شخص دخول حرم المطار. لم نفهم لماذا. شعرت والآخرين بالإحباط، لا بل فقدنا الأمل بالحياة وملأ خوف الموت كياننا. كنّا شاحبين وقلقين وسألنا بعضنا البعض: ماذا سيحدث الآن؟
اتخذت إحدى أكثر القرارات تعقيدًا في حياتي وغادرت الحافلة. تبعني رجل آخر. جلسنا على زاوية الطريق بعيدًا عن طالبان. أخبرني عن حياته، عن صعوبة دراسته في المدرسة، وعن انعدام أمله في المستقبل. حزنّا وتحدّثنا عن مشاكل ومصاعب مثليّتنا. كانت الساعة بعد الخامسة مساءً وما زال الكثير من الناس يتزاحمون حول مدخل المطار من دون السماح لأيّ كان من الدخول. كان ركّاب من حافلتنا يثابرون في الوصول إلى المطار.
كنت مرهقًا للغاية ولم أستطع الوقوف على قدمي. كان بقاؤنا باطل. وبعد لحظات، أفادت وسائل الإعلام عن مقتل وجرح أكثر من ١٥٠ شخصًا في هجوم على مطار كابول. قلت في نفسي أنّه لَو سُمِح لنا دخول المطار فلم نكن لنبقى على قَيد الحياة. ولكن لأراحتني نهاية هذه الحياة البائسة.
حثّتنا المنظمات الأجنبية التي ساعدتنا على مغادرة كابول على عدم ترك منازلنا وعلى التوجّه إلى الحدود البرية في أقرب وقت ممكن إذا شعرنا أنّ حياتنا في خطر. ولكن قالوا أنّه يتعذّر عليهم مساعدتنا بعد الآن، وأنّه علينا أن نقرّر كيف نهرب بمفردنا. عرضوا علينا تقديم إرشادات أمنية فقط. ولكن ما زالت حدود أفغانستان البرية مغلقة بالرغم من توافد العديد من الأفغان إليها، فلم أعتقد أنّ أفراد مجتمع الميم سيجرؤون على عبور الحدود البرية في هذه الظروف.
أتسأل كلّ يوم ماذا سيحدث لي وماذا سيحدث لزملائي ركاب تلك الحافلة. خفنا كثيرًا وقلقنا كثيرًا أثناء الرحلة إلى مطار كابول وساعات الإنتظار، ولكنّنا كنّا ندعم بعضنا البعض. كنّا معًا.
تشاركنا شعور الإنتماء إلى المجتمع نفسه كما عشناه على مدار العشرين عامًا. كانت الحياة صعبة ولكننا تنفّسنا وعملنا وعشنا على أمل وقت أفضل. ولكن قوس قزح أحلامنا اندثر اليوم.
ما زلت هنا وخريف كابول وضوء شمسه الذهبي يذكّرني في رجُلي، في حبّ حياتي. أعرف الآن أنّه انضمّ إلى ما يسمّى بجبهة المقاومة الوطنيّة في بنجشير. لقد احتلّ الطالبان القرية ولا تزال عائلته هناك ولا أحد يعرف أين هو.
-
فن وثقافةمنذ بضعة أيّام
محمد خرداديان: إسمٌ لن ينساه مجتمع الميم الإيراني
-
شاهد عيانمنذ بضعة أيّام
إسطنبول، جنّة مؤقتة لشابَّين مثليَّين سعوديَّين في علاقة عاطفيّة
-
أخبارمنذ بضعة أيّام
في عيد ميلاده الحادي والعشرين، يزيّن أصدقاء علي رضا منفرد ضريحه بعد أن قُتِل في إيران لأنّه مثليّ
-
Sex & Datingمنذ بضعة أيّام
التجول : ليلة في طهران ، بحثاً عن الحب المُحرّم
-
الغربمنذ بضعة أيّام
غوغل وترجماتها: المثلي هو “لوطي” في إيران
-
Sex & Datingمنذ بضعة أيّام
لقاء مع عاملة جنس في دمشق
-
أخبارمنذ بضعة أيّام
إعدام شابين مثليي الجنس في إيران
-
أخبارمنذ بضعة أيّام
لاجئ يعيش في أوروبا يعود الى اقليم كردستان ليرتكب جريمة قتل بحق شقيقته العابرة للنوع الاجتماعي