للتفاعل على وسائل التواصل الإجتماعي

شاهد عيان

مئة يوم منذ أن رمانا جو بايدن للطالبان

وعُدت أنا إلى المنزل أجهل أنّها الليلة الأخيرة التي أرى فيها نَبي وأنّها الليلة الأخيرة لأفغانستان الحرّة.

Our Correspondent in Kabul

نُشر المقال

في

تُرجِمَ هذا المقال من الدّاريّة والإنكليزية إلى العربيّة.

“وصل الطالبان إلى مداخل كابول. قالوا أنهم لن يدخلوا المدينة طالما استمرّت المفاوضات في قطر. تطالب المجموعة في انتقال سلمي للعاصمة الأفغانية.” هكذا بدأت نشرة الأخبار على الراديو في ذلك الصباح من منتصف آب/أغسطس.

كنت في مكتبي جالسًا، أحدّق من النافذة خائفًا. كانت المدينة في حالة غريبة من القلق. رأيت ناسًا يركضون من جانب إلى آخر. لم يترك المفاوضون بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وحكومة أشرف غني مع الطالبان أدنى شكّ حول عودة الطالبان على الرّغم من عدم تداول تقارير وقتها عن وجود مقاتلين لطالبان في كابول. يخاف الجميع من الطالبان لأسباب خاصة، وأنا، كصحافي مثلي، أخشى على حياتي.

قابلت نَبي، صديقي المثلي، في ظلام الليلة السابقة. كانت كابول لا تزال هادئة، لكنّ الخوف طغى على لقائنا أكثر من أيّ وقت مضى. أحببت نَبي أكثر من صديق وكنت متيّمًا به. اعتقدت أنّه يحبّني أيضًا، لكنّ الخجل طغى علينا، فلم نتحدّث عن هذا الأمر. مسكت يده والظلام حالك في حيّ شَهر ناو في وسط كابول. قلت له أنّنا نجهل ما قد يحدث غدًا، وأشبكنا أيدينا ونمشينا معًا في شارع كابول. تأسّفت أنّني لم أُظهر له اهتمامي به في وقت سابق. 

وقفنا في وسط الحديقة العامة والظلام يخيّم علينا بسبب نقص الكهرباء. قبّلنا بعضنا وصوت الرصاص يعلو في البعيد. عاد نَبي إلى البيت، وعُدت أنا إلى المنزل أجهل أنّها الليلة الأخيرة التي أرى فيها نَبي وأنّها الليلة الأخيرة لأفغانستان الحرّة.

مئة يوم مضت منذ أن وضّبت أغراضي من المكتب ومشيت لأميال كَي أصل إلى مكانٍ آمن خوفًا من هجوم الطالبان على الأماكن العامة. نَبي، شأنه كشأن الكثير من أصدقائنا من مجتمع الميم، ترك أفغانستان مع الجمعيات الدّوليّة، ولكن بَقِينا نحن هنا، آلاف المثليين. تفكّكت مجموعات الأصدقاء، ومحينا صفحاتنا على وسائل التواصل الإجتماعي. حاولنا أن نمحِيَ أثر حياتنا، فلا يَصِل إليها الطالبان. خشَينا أنّه إذ أوقِفَ أحدُنا، لفضَح الآخرين تحت الضغط والتعذيب.

أوقِفَ بعض الأصدقاء وانتشر خبرهم على الإنترنت. وضجّت وسائل التواصل الإجتماعي في شهر أيلول/سبتمبر بصور شاب مثلي يُجلد، وقد فرّ الآن إلى إحدى دول جوار أفغانستان. وكان أحد الجيران قد أعلم الطالبان أنّ "رجلاً أنثويًا" يعيش في المنزل القريب منه، وأنّ يجب معاقبته.

دفع خبر الجلد هذا العديد من المثليين إلى البحث عن مخرجٍِ من البلد، في وقتٍ أفادت منظّمات دوليّة أنّ للطالبان لائحة في المثليين الأفغان. اشتدّ القلق، واستفادت منه طالبان فجعلت منه فخّا، إذ أفادت بعض التقارير أنّ الطالبان تستخدم أرقام هواتف وعناوين بريد إلكتروني مزيّفة للإتّصال بأفراد من مجتمع الميم وعرض المساعدة عليهم نيابة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية. وإذ يُستَدرَج الأفراد إلى موقعٍ ما، يستفرس فيهم الطالبان فيقضبون عليهم، ويعذّبوهم.

ظهرت صوَر لرجل مثلي يُجلَد في بغلان، ويُزعَم أنّه حاول الفرار من أفغانستان مع صديقه العابر للنّوع الإجتماعي في تشرين الأول/أكتوبر.

فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي الأفغانية لرجلٍ مثليّ يُجلَد في بغلان

وإذ خافت النساء المثليات من ملاحقتهنّ ومن إجبارهنّ على الزواج من مقاتلي طالبان، أقدم العديد منهنّ إلى الزّواج من أصدقاء مثليين، وأُجبِر يعضهنّ على الزواج القسري، واختبأ البعض الآخر. فما من حقّ للنّساء في العيش من دون وليّ ذكر، وهنّ يُستبعدن بشكل عام من العمل ومن الحياة الإجتماعيّة ومن العِلم.

ويصرّح برنامج الغذاء العالمي اليوم أنّ ٩٥٪ من الأفغان يفتقرون إلى الطعام الكافي، وأنّ النّاس يختبئون في المنازل خوفًا من الطالبان، وأنّ ما من عمل أو اقتصاد. وبالأكثر، يمسي الموت خيارنا الوحيد، نحن أفراد مجتمع الميم .

ولكن أين هو العالم من هذا المشهد؟ تسخر كلّ من إيران وروسيا والصين من انسحاب القوى الأميركيّة بأمر جو بايدن، إذ تعتبر هذه الدّول أنّ مصالحها وأيديلوجيّاتها أعلى من كلّ شيء آخر. فبالنسبة إلى أيديولوجيّة جمهوريّة إيران الإسلاميّة والنظام الشيوعي الصيني ونظام بوتين المخيف في روسيا، لا خيار أمام المثليين سوى الموت.

وأين هي أميركا في إدارة جو بايدن؟ إنّها تصافح الطالبان أمام عدسات الكاميرات.

في يومٍ حارّ من الصّيف اللهيب، استَولت الطالبان على كابول وغيّرت حياتنا إلى الأبد. حدّق العالم في هذا التغيير، ولم يوقف المجموعة الّتي سبق أن حبسها في أفظع سجون العالم. ضحك الرئيس بايدن علينا، وقال أنّ لا اهتمام له في بناء الدول. بشّر جو بايدن في حقوق الإنسان، ولفّ نفسه في علم قوس قزح ليُنتَخَب. ولكنّ سجلّه يتحدّث عنه. هذا ما فعل بنا، ولن ننسى. 

في التداول

العربية